كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الرابعة هذه الآية تدل على جريان القصاص فيما ذكر وقد تعلق ابن شُبْرُمَة بعموم قوله: {والعين بالعين} على أن اليمنى تفقأ باليسرى وكذلك على العكس، وأجرى ذلك في اليد اليمنى واليسرى، وقال: تؤخذ الثَّنِية بالضِّرس والضرس بالثنِية؛ لعموم قوله تعالى: {والسن بالسن}.
والذين خالفوه وهم علماء الأُمة قالوا: العين اليمنى هي المأخوذة باليمنى عند وجودها، ولا يتجاوز ذلك إلى اليسرى مع الرضا؛ وذلك يبين لنا أن المراد بقوله: {والعين بالعين} استيفاء ما يماثله من الجاني؛ فلا يجوز له أن يتعدّى إلى غيره كما لا يتعدى من الرجل إلى اليد في الأحوال كلها، وهذا لا ريب فيه.
الخامسة وأجمع العلماء على أن العينين إذا أُصيبتا خطأ ففيهما الديّة، وفي العين الواحدة نصف الديّة، وفي عين الأعور إذا فُقِئت الديّة كاملة؛ رُوي ذلك عن عمر وعثمان، وبه قال عبد الملك بن مروان والزّهْريّ وقَتَادة ومالك والليث بن سعد وأحمد وإسحاق.
وقيل: نصف الديّة؛ روى ذلك عن عبد الله بن المُغَفَّل ومسروق والنَّخَعي؛ وبه قال الثّوريّ والشافعي والنعمان.
قال ابن المنذِر: وبه نقول؛ لأن في الحديث: «في العينين الدية» ومعقول إذا كان كذلك أن في إحداهما نصف الديّة.
قال ابن العربي: وهو القياس الظاهر، ولكن علماؤنا قالوا: إن منفعة الأعور ببصره كمنفعة السالم أو قريب من ذلك، فوجب عليه مثل ديته.
السادسة واختلفوا في الأعور يَفقأ عين صحيح؛ فروي عن عمر وعثمان وعليّ أنه لا قَوَد عليه، وعليه الدية كاملة؛ وبه قال عطاء وسعيد بن المسيب وأحمد بن حنبل.
وقال مالك: إن شاء اقتص فتركه أعمى، وإن شاء أخذ الديّة كاملة دية عين الأعور.
وقال النَّخَعيّ: إن شاء اقتص وإن شاء أخذ نصف الدية.
وقال الشافعيّ وأبو حنيفة والثوريّ: عليه القصاص، ورُوى ذلك عن عليّ أيضًا؛ وهو قول مسروق وابن سِيرين وابن مَعْقِل، واختاره ابن المنذر وابن العربيّ؛ لأن الله تعالى قال: {والعين بالعين} وجعل النبي صلى الله عليه وسلم في العينين الدية؛ ففي العين نصف الدية، والقصاص بين صحيح العين والأعور كهيئته بين سائر الناس.
ومتعلق أحمد بن حنبل أن في القصاص منه أخذ جميع البصر ببعضه وذلك ليس بمساواة، وبما روي عن عمر وعثمان وعليّ في ذلك.
ومتمسك مالك أن الأدلة لما تعارضت خُيِّر المجني عليه.
قال ابن العربيّ: والأخذ بعموم القرآن أولى؛ فإنه أسلم عند الله تعالى.
السابعة واختلفوا في عين الأعور التي لا يُبصر بها؛ فروي عن زيد بن ثابت أنه قال: فيها مائة دينار.
وعن عمر بن الخطاب أنه قال: فيها ثلث ديتها؛ وبه قال إسحاق.
وقال مجاهد: فيها نصف ديتها.
وقال مسروق والزهريّ ومالك والشافعيّ وأبو ثور والنعمان: فيها حكومة؛ قال ابن المنذر: وبه نقول لأنه الأقل مما قيل.
الثامنة وفي إبطال البصر من العينين مع بقاء الحدقتين كمال الدية، ويستوي فيه الأعمش والأخفش.
وفي إبطاله من إحداهما مع بقائها النصفُ.
قال ابن المنذر وأحسن ما قيل في ذلك ما قاله عليّ بن أبي طالب: أنه أمر بعينه الصحيحة فغطّيت وأعطى رجل بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى نظره، ثم أَمَر بخطٍّ عند ذلك، ثم أمر بعينه الأُخرى فغطيت وفتحت الصحيحة وأعطى رجل بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى نظره، ثم خطَّ عند ذلك، ثم أمر به فحوّل إلى مكان آخر ففعل به مثل ذلك فوجده سواء؛ فأعطي ما نقص من بصره من مال الآخر، وهذا على مذهب الشافعي؛ وهو قول علمائنا، وهي:
التاسعة ولا خلاف بين أهل العلم على أن لا قَوَد في بعض البصر؛ إذ غير ممكن الوصول إليه.
وكيفية القَوَد في العين أن تُحمى مرآة ثم توضع على العين الأُخرى قُطْنة، ثم تُقرب المرآة من عينه حتى يَسيل إنسانها؛ روي عن علي رضي الله عنه؛ ذكره المهدويّ وابن العربي.
واختلف في جَفْن العين؛ فقال زيد بن ثابت: فيه ربع الدية، وهو قول الشعبيّ والحسن وقتادة وأبي هاشم والثّوريّ والشافعيّ وأصحاب الرأي.
وروى عن الشَّعْبيّ أنه قال: في الجفن الأعلى ثلث الدية وفي الجَفْن الأسفل ثلثا الدية، وبه قال مالك.
العاشرة قوله تعالى: {والأنف بالأنف} جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وفي الأنف إذا أُوعِب جَدْعًا الديّة» قال ابن المنذِر: وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على القول به؛ والقصاص من الأنف إذا كانت الجناية عمدًا كالقصاص من سائر الأعضاء على كتاب الله تعالى.
واختلفوا في كسر الأنف؛ فكان مالك يرى في العمد منه القَوَد، وفي الخطأ الاجتهاد.
ورَوَى ابن نافع أنه لا دية للأنف حتى يستأصِله من أصله.
قال أبو إسحاق التونسيّ: وهذا شاذ، والمعروف الأوّل.
وإذا فرّعنا على المعروف ففي بعض المارِن من الدية بحسابه من المارِن.
قال ابن المنذِر: وما قطع من الأنف فبحسابه؛ رُوِي ذلك عن عمر ابن عبد العزيز والشَّعْبيّ، وبه قال الشافعيّ.
قال أبو عمر: واختلفوا في المارِن إذا قُطِع ولم يستأصل الأنف؛ فذهب مالك والشافعيّ وأبو حنيفة وأصحابهم إلى أن في ذلك الدية كاملة، ثم إن قُطِع منه شيء بعد ذلك ففيه حكومة.
قال مالك: الذي فيه الدية من الأنف أن يقطع المارِن؛ وهو دون العظم.
قال ابن القاسم: وسواء قُطِع المارِن من العظم أو استؤصِل الأنف من العظم من تحت العينين إنما فيه الدية؛ كالحَشَفة فيها الدية: وفي استئصال الذكر الدية.
الحادية عشرة قال ابن القاسم: وإذا خُرِم الأنفُ أو كُسِر فبَرِىء على عَثْم ففيه الاجتهاد، وليس فيه دِية معلومة.
وإن برىء على غير عثم فلا شيء فيه.
قال: وليس الأنف إذا خرِم فبرِىء على غير عثم كالموضحة تبرأ على غير عَثْم فيكون فيها دِيتها؛ لأن تلك جاءت بها السنة، وليس في خرم الأنف أثر.
قال: والأنف عظم منفرد ليس فيه مُوضِحَة.
واتفق مالك والشافعيّ وأصحابهما على أن لا جائفة فيه، ولا جائفة عندهم إلا فيما كان في الجوف.
والمارن ما لاَنَ من الأنف؛ وكذلك قال الخليل وغيره.
قال أبو عمر: وأظن رَوْثَته مارِنه، وأرنبته طرْفُه.
وقد قيل: الأرنبة والرَّوْثة والعَرْتَمة طَرَف الأنف.
والذي عليه الفقهاء مالك والشافعي والكوفيون ومن تبعهم، في الشم إذا نقص أو فُقِد حكومة.
الثانية عشرة قوله تعالى: {والأذن بالأذن} قال علماؤنا رحمة الله عليهم في الذي يقطع أُذني رجل: عليه حكومة، وإنما تكون عليه الدّية في السمع؛ ويقاس في نقصانه كما يقاس في البصر.
وفي إبطاله من إحداهما نصف الدية ولو لم يكن يسمع إلا بها، بخلاف العين العوراء فيها الدية كاملة؛ على ما تقدم.
وقال أشهب: إن كان السمع إذا سئل عنه قيل إن أحد السمعين يسمع ما يسمع السمعان فهو عندي كالبصر، وإذا شك في السمع جُرب بأن يُصاح به من مواضع عدّة، يقاس ذلك؛ فإن تساوت أو تقاربت أعطي بقدر ما ذهب من سمعه ويحلف على ذلك.
قال أشهب: ويحسب له ذلك على سمع وسط من الرجال مثله؛ فإن اختبر فاختلف قوله لم يكن له شيء.
وقال عيسى بن دينار: إذا اختلف قوله عُقِل له الأقل مع يمينه.
الثالثة عشرة قوله تعالى: {والسن بالسن} قال ابن المنذر: وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أقاد من سِنّ وقال: «كتاب الله القصاص» وجاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في السِّن خمس من الإبل» قال ابن المنذر: فبظاهر هذا الحديث نقول؛ لا فضل للثنايا منها على الأنياب والأضراس والرباعِيات؛ لدخولها كلها في ظاهر الحديث؛ وبه يقول الأكثر من أهل العلم.
وممن قال بظاهر الحديث ولم يفضل شيئًا منها على شيء عُروة بن الزّبير وطاوس والزُّهريّ وقَتَادة ومالك والثوريّ والشافعيّ وأحمد وإسحاق والنعمان وابن الحسن، ورُوي ذلك عن عليّ بن أبي طالب وابن عباس ومعاوية.
وفيه قول ثان رويناه عن عمر بن الخطاب أنه قضى فيما أقبل من الفم بخمس فرائض خمسِ فرائض، وذلك خمسون دينارًا، قيمة كل فريضة عشرة دنانير.
وفي الأضراس ببعير بعيرٍ.
وكان عطاء يقول: في السن والرَّبَاعِيَتين والنَّابين خمس خمس، وفيما بقي بعيران بعيران، أعلى الفم وأسفله سواء، والأضراس سواء؛ قال أبو عمر: أما ما رواه مالك في موطئه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب: أن عمر قضى في الأضراس ببعير بعيرٍ فإن المعنى في ذلك أن الأضراس عشرون ضِرسًا، والأسنان اثنا عشر سِنّا: أربع ثنايا وأربع رَباعِيات وأربع أنياب؛ فعلى قول عمر تصير الدية ثمانين بعيرًا؛ في الأسنان خمسة خمسة، وفي الأضراس بعير بعير.
وعلى قول معاوية في الأضراس والأسنان خمسة أبعِرة خمسة أبعِرة؛ تصير الدية ستين ومائة بعير.
وعلى قول سعيد بن المسيب بعيرين بعيرين في الأضراس وهي عشرون ضرسًا؛ يجب لها أربعون.
وفي الأسنان خمسة أبعِرة خمسة أبعرة فذلك ستون، وهي تتمة المائة بعير، وهي الديّة كاملة من الإبل.
والاختلاف بينهم إنما هو في الأضراس لا في الأسنان.
قال أبو عمر: واختلاف العلماء من الصحابة والتابعين في دِيات الأسنان وتفضيل بعضها على بعض كثير جدًا، والحجة قائمة لما ذهب إليه الفقهاء مالك وأبو حنيفة والثوريّ؛ بظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وفي السنّ خمس من الإبل» والضّرس سِنّ من الأسنان.
روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأصابع سواء والأسنان سواء الثَّنِية والضّرس سواء هذه وهذه سواء». وهذا نص أخرجه أبو داود.
وروى أبو داود أيضًا عن ابن عباس قال: جَعَل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابع اليدين والرجلين سواء.
قال أبو عمر: على هذه الآثار جماعة فقهاء الأمصار وجمهور أهل العلم أن الأصابع في الدّية كلها سواء، وأن الأسنان في الدية كلها سواء، الثنايا والأضراس والأنياب لا يفضّل شيءٌ منها على شيء؛ على ما في كتاب عمرو بن حزم.
ذكر الثوريّ عن أزهر بن محارب قال: اختصم إلى شُرَيح رجلان ضرب أحدهما ثَنِيّة الآخر وأصاب الآخر ضِرسه فقال شريح: الثَّنية وجمالها والضرس ومنفعته سِنّ بسن قوّما.
قال أبو عمر: على هذا العمل اليوم في جميع الأمصار. والله أعلم.
الرابعة عشرة فإن ضرب سِنّه فاسودّت ففيها دِيتها كاملة عند مالك والليث بن سعد، وبه قال أبو حنيفة، ورُوى عن زيد بن ثابت؛ وهو قول سعيد بن المسيب والزهريّ والحسن وابن سِيرين وشُرَيْح.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن فيها ثلث ديتها؛ وبه قال أحمد وإسحاق.
وقال الشافعي وأبو ثور: فيها حكومة.
قال ابن العربيّ: وهذا عندي خلاف يؤول إلى وفاق؛ فإنه إن كان سوادها أذهب منفعتها وإنما بقيت صورتها كاليد الشّلاء والعين العمياء، فلا خلاف في وجوب الدية؛ ثم إن كان بقي من منفعتها شيء أو جميعها لم يجب إلا بمقدار ما نقص من المنفعة حكومة؛ وما روِي عن عمر رضي الله عنه فيها ثلث ديتها لم يصح عنه سندًا ولا فِقهًا.